السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله
أنام .. كالأنعام ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا )
أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا
والكاف ههنا للتشبيه .. فهم ليسوا أنعاماً حقيقةً .. لكنّهم يُشبهونها في صفات نالوها بجدارة
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان .. وجعله خليفة في الأرض ليقيم الدين وليعبده حقّ عبادته
وكرّم الله بني آدم .. وفضّلهم على كثير من الخلق .. وجعلهم بالفطرة مجبولين على طاعته .. قال تعالى : وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا
قال السعدي رحمه الله : وهذا من كرمه عليهم وإحسانه الذي لا يقادر قدره حيث كرم بني آدم بجميع وجوه الإكرام، فكرمهم بالعلم والعقل وإرسال الرسل وإنزال الكتب، وجعل منهم الأولياء والأصفياء وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة .
.
.
فانقسم بني آدم بتلقّي هذا التكريم إلى قسمين اثنين : "مؤمن "و " كافر " .. قال تعالى :
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
فالمؤمن هو من استحقّ هذا التكريم .. وطلبه وناله .. فكان من المٌكرّمين في الدنيا .. واستحقّ الجنّة في الآخرة
أمّا الكافر فقد رفض هذا التكريم .. وقنُع بمرتبة دون مرتبة التكريم الإنساني التي أعطاه الله إيّاها .. فتنازل عنها .. حتّى قال الله في أقرانه من الكافرين :
أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا
قال ابن كثير رحمه الله
:أي أسوأ حالا من الأنعام السارحة، فإن تلك تعقل ما خلقت له، وهؤلاء خلقوا لعبادة الله وحده لا شريك له، وهم يعبدون غيره ويشركون به، مع قيام الحجة عليهم، وإرسال الرسل إليهم.
قال السمرقندي:
أتظن أنهم يريدون الهدى أو { يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ } الهدى { إِنْ هُمْ إِلاَّ كالانعام } في الأكل والشرب ، ولا يتفكرون في أمر الآخرة ، { بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } يعني : أخطأ طريقاً من البهائم ، لأن البهائم ليسوا بمأمورين ، ولا بمنهيين .
قال الزمخشري : فإن قلتَ : كيف جعلوا أضل من الأنعام؟
قلتُ : لأن الأنعام تنقاد لأربابها التي تعلفها وتتعهدها ، وتعرف من يحسن إليها ممن يسيء إليها ، وتطلب ما ينفعها ، وتجتنب ما يضرها ، وتهتدي لمراعيها ومشاربها ، وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يعرفون إحسانه إليهم من إساءة الشيطان الذي هو عدوهم ، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار والمهالك ، ولا يهتدون للحق .
.
.
كمثل الكلب
قال تعالى :
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
قال السعدي : يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا } أي: علمناه كتاب اللّه، فصار العالم الكبير والحبر النحرير.
فانسلخ من الاتصاف الحقيقي بالعلم بآيات اللّه، فإن العلم بذلك، يصير صاحبه متصفا بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويرقى إلى أعلى الدرجات وأرفع المقامات، فترك هذا كتاب اللّه وراء ظهره، ونبذ الأخلاق التي يأمر بها الكتاب.
فلما انسلخ منها أتبعه الشيطان، أي: تسلط عليه حين خرج من الحصن الحصين، وصار إلى أسفل سافلين، فأزه إلى المعاصي أزا { فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ } بعد أن كان من الراشدين المرشدين.
وهذا لأن اللّه تعالى خذله ووكله إلى نفسه، فلهذا قال تعالى: { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } بأن نوفقه للعمل بها، فيرتفع في الدنيا والآخرة، فيتحصن من أعدائه.
{ وَلَكِنَّهُ } فعل ما يقتضي الخذلان، فَأَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ، أي: إلى الشهوات السفلية، والمقاصد الدنيوية. { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } وترك طاعة مولاه، { فَمَثَلُهُ } في شدة حرصه على الدنيا وانقطاع قلبه إليها، { كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ } أي: لا يزال لاهثا في كل حال، وهذا لا يزال حريصا، حرصا قاطعا قلبه، لا يسد فاقته شيء من الدنيا.
{ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } بعد أن ساقها اللّه إليهم، فلم ينقادوا لها، بل كذبوا بها وردوها، لهوانهم على اللّه، واتباعهم لأهوائهم، بغير هدى من اللّه.
.
.
كمثل الحمار
أمّا الحمار .. فيتشابه مع اليهود الذين حملوا التوراة ولم يعملوا بها .. قال تعالى :
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
فاليهود قد كُلّفوا بالعمل بما في التوراة .. ولكنّهم لم يعملوا بها فلم ينتفعوا بما فيها .. فكانوا كالحمار الذي يحمل الأسفار .. ولا ينتفع بما يحمل .. فقد يموت من العطش وهو يحمل الماء
قال الشاعر :
كالعيس في البَيْداء يقتلها الظما ... والماء فوق ظهورها محمول
.
.
كمثل العنكبوت
مَثَلُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ العنكبوت اتخذت بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ البيوت لَبَيْتُ العنكبوت لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
فهم كالعنكبوت التي تلجأ لبيت من خيوط لا يقيها من شيء .. وهؤلاء يلجؤون لأرباب من دون الله لا ينفعوهم بشيء
أسأل الله أن ينفع بها الإسلام والمسلمين
وأن يرزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال والأحوال
وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه
اللهم وفقنا لصيام وقيام رمضان ايمانا واحتسابا
واجعلنا فيه من عتقائك من النار
منقوووول للفائده